.وهم انتظار
سأراك في يقضتي دوما حتى يكون لنا لقاء ..
سأنتظرك في كل مساء عند البحر حتى المغيب ..
سأرقص عند كل شروق شمس حتى ينتابني التعب..
سأبتسم عند وجود القمر في كبد السماء حتى أغفوا ..
سأنظر في انعكاس فنجان قهوتي وأرى وجهك في بريق عيوني ..
سأعبر الشارع أملا أنك في الطرف الآخر من الطريق..
سأشتاق لضحكتك و شجارنا وحديثك الشيق ..
سأنام على فراشي وكل فكري بك...
سأنظر في الفراغ وأشاهد صورتك وأبتسم ..
سأفتقدك حتى وإن لم تكن في الوجود ..
سأصنع مجدا منك وإلهاما لكي أعيش بسعادة ..
سأمزح مع الجميع بهدف أنك لي وأنا لك بدون مراعات غيابك ..
سأسافر إلى كل مكان حيث ترافقني ذكراك إلى كل بقاع الأرض حتى في العدم..
سأنشد قصتنا على شكل سنفونية تكون عبارة عن حياة لها خلود في الذات..
سيكون لمفتاح صول ميزة وعنوان آخر من الإحساس ..
سأتكلم عنك وعن كل شيئ كان بيننا حتى يفقد الكل صوابه أنني لم أقهر يوما من أجل بعدك ..
سأُسقط مقولة من هو بعيد عن العين بعيد عن القلب بتعويضها بالقرب ...
ستأتي يوما راكضا كما تخيلتك وتحضنني بشدة وتشعرني أنني ملكت الدنيا معك..
سأستيقظ وتتلاشى صورتك حتى تكون حقيقيا ولكنك مختلف فأنت لست أنت ..
سيكون لنا لقاء فقط في الوهم والأحلام وبوجودك في عقلي حتى النهاية ذلك هو المقام..
بقلم: إيمان بليط
مرثية المغدور والشاطئ
من سلسلة الدُّرَر الثمينة.أيها الأزرق اللُجِّيُّ جِئْتُكَ بالصيف زائِراً......
بعْد أنْ رتَّبْتُ حقائبِي ..و صففْتُ أوراقي ثم الدفاترَ.....
هِمْتُ بِحُبّكَ و شيّدتُ من بريق حُبيْبات رمْلِكَ أعتى القصور و
أجمل المبانيَ..... و رسمْتُ البجع و العُقَابَ و النّوْرس
الطّائِرَ.....
و توسدْتُ ظِلّ مِظلّتِي و ركنْتُ سيّارتي
خلْف شاطئِكَ مسْرِعاً...كنّا قد سمعنا أنّ الحظائر أصبحت
مجَّانيَه.....يا ليْتَني
لمْ أركب..... و قصدْتُ طالِباً نسائِمكَ من أقصى
الصحاري على قَدمَيَّ حافِياَ.....
و عشِقْتُ موْجكَ نشواناً بالحياة الفانية....
للهِ درُّكَ قد بقَرْتَ قلبَ أمِّي الغالية......
سَلِ الحنّاءَ هلْ خضّبتْ يدِي.....و العرسُ بعدَ حينٍ كان
موْعِدي.....
سَلْ أمواجكَ اِنْ أنا خنتُها أو أنا قارعْتُها.....كسّرتْ شِراعِي و
مجدافي في يدي.....
فيا رفيقَة عمري للدمعِ كفكفي.....فالفارس الموعود
أمسى اليوم بلا غدِ.....
آه منكَ...... كسرْتَ روح أُمّي و زِدْتَ عضُد أبي...
هلْ أنا أخطأتُ اِنْ احترقتْ عِظامي.... فقصدْتُ بابكَ
هرباً من الحرّ الأبعدِ....أو ربما بعثرْتُ رملكَ أو عكّرْتُ صفوَ
مياهكَ فلم يُعجبكَ مقامي...لا تلُمْني أنا ضيْف زائرٌ....
أنا ابن الصحراء ابن الجزائر ......يا من تركْتَ الجرْح
غائرا......يا من ألْبسْتَ أسوار بيْتي حزْناً و وشّحْتَ بالسوادِ
قلْبَ اِخواني الثمانية.....
علّمونا أنّ الدّنْيَا قصّةٌ جميلة.....تنتهي بساعةٍ أوْ موْتِ
غدْرٍ في غضون نصفِ الثانية.....لكِنّ قلبي رضى و قلوب
الأصحاب ِ منْ جهتِكَ صافية......
سَلْ مناراتِكَ البيضاءَُ علّمْ أسوارها .....أحرقْتَ
فانوسي في ليْلِ الدّجَى ....و أبكيْتَ عروسي و عهدي
المرتجى...
سامحْتُكَ يا غادِري متى كثُر الخصب في الأرضِ أو في
السّماء....و متى حنّ قلبُ أُمّي و لجُرْمِكَ تناسَى و صفحَ.....
سلْ بيوتَ الأولياءِ قمْ اِستوقف زوَّارها.......* يِمَّا قوراية *
أشعلي من نيران لوعتي شموع روّادِكِ....و لوِّني بِدمي
الساخنِ عتبةَ بابكِ .......و اجعلي منْ طُهْري براءة
يوسف رمز عتابكِ... و تخَندَقي على قِمَم الجبال و
ابكي على ما أصابكِ ...وتوشّحي أسودا قاتماً فهو يليق بكِ....
سلْ زبد البحْرِ هوّلْ مِن روْعهِ.....يحكي مأساتي لجيل
بعد غدٍ.....
أنا الأسمر ابن الصحاري طيّبٌ... ....ما هكذا بالغدرِ
يُسْتقبَلُ الضيْفْ.......
أمْ هي حفاوة استقبالٍ أو روح شقاوةٍ.......تَلِدُ غدراً
وقْتَ المَصيف......فما ذنبي اِنْ لمْ أقدِّمْ
أتاوةً..........أنا ابن الجزائر في الشتاءِ و الصيْفْ.......
أنا الكريمُ ابن الكريمِ مِزاجي جيّدٌ......و جودي يُعدُّ
بألوانِ الطّيْفْ.....
أنا الصبورُ على الشّدائدِ حَرُّها ........نوقٌ و نخلٌ و
تمرٌ بالكمِّ و الكيْف...........
أنا العاشِقُ للبحْرِ و الرّملِ معاً.........رطبٌ و أسماكٌ
وقمحٌ في الفيافي ، تلٌّ و ساحلٌ و هِضابٌ و
ريفْ.........
لا تَلُمْ جفْنِي اِنْ نام غدراً........و اكتوى القلبُ تيهاً
و قهْراً...........أبكى ناسي عمراً و دهراً........ورغم الحُرقةِ
ألتمس لكَ عذراً.........
رِمْشُ أُمّي يرجِفُ ليْلاً......يسْكنُ الأسحارَ يهْذي لا
ينامْ........و قلْبُ ثَكْلى يتعصّرُ حزْناً .....يُشَمِّعُ كلّ أبوابِ
الغرامْ...........كنَّا نرسُم أجملَ مبنَى ........يا بُنيَّ تبخّرتْ
مع خنْجرِكَ الأحلامْ........قولوا لأمّي أحلى كلمة.........و بسمة
و ضحكة و زيدوا السلام........اِن عفى عن خطيئتكَ
قلْبُها السّمْحُ فأبْشِرْ برْهةً و نَمْ وفقطْ ...... للهِ درُّكَ
عَيْنُ أُمِّي لا تنَامْ .
بقلم: شريط نبيل 18 أوت القل سكيكدة الجزائر.
ذكرى سخيفة
قد يتركنا الطريق دائما لنعيد بعض الذكريات المهشمة تحت تربة جافة،لم ينبت الفكر فيها يوما وهكذا ينتج لنا عقلا ساذجا يدور في قوقعة فارغة ،حتى تلك المشؤومة تضعك لونا وتحرك قلما موضوعا فوق قبر لكائن غريب، مهما يكن فالذي يدفعني أن أسير حول حلكة مضائة تنير لي فجوات مفقودة من دفتر صغير أضعته بخيال كبير.....
أضع شايا وورقا أسامر نفسي بهما دون توديع صك بريد لبنك الزقاق المهجور،حتى المقهى فرغ من بعض المسنين فقهقهاتهم تعالت على شرفات العازبات اللوات يطلن عليها لرؤية العالم السفل من جديد، نادلا يكتب رسالة تأخير وأقرأ مذكرة الصيفية في صبيحة أكتوبر السابع بعد العشرين، مازلت أردد نكهة الشاي بطعم النعنان الكوري وزخرفة إبريق تعود لعهد الفراعنة ..........أكملت صباحي لأحزم حقائب خفيفة أتتبع ظلي فوصلت لكلية (الأدب ) ..
بقلم: ملكي أحمد الشافعي
#موسم_ذبول_اللوتس#القصة_المتحصلة_على_المرتبة_الأولى في مسابقة القصة القصيرة حروف أسيرة النسيان التي نظمتها مجلة سراج الحياة. ملاحظة: سوسن اسم مأخوذ عن المصريين القدامى، الذين أطلقوا اسم "شنسن" عن اللوتس البيضاء، والمعلومات المُقدمة أدناه عن دورة حياة الزهرة معلومات علمية ثابتة، وكل ما ورد ذكره عن رمزيتها "للخصوبة والحياة" واردة في ميثولوجيا الآسيويين.
موسم ذبول اللوتس!
حضرت اليوم نفسي، للموت الآتي الليلة، أ لا يقولون أن "أحباب الموت" يشعرون بقدومه، لا أعرف، ربما شعرتُ بذلك أيضا، لكنني مثلهم، لا لسان لي لأقول، أنني الليلة على موعد معه. سقيت أزهار شجرة الأكاسيا الصغيرة، التي غرستُها قبل فترةٍ في شرفتي لجلب الفراشات إليها، تفتَّحت زهورها بسرعة، أزهارٌ صفراء صغيرة بهية، طيِّبةُ الرائحة، كانت شجرة مُدلَّلة كثيرا، لأنني كنت دائما أحرص على دفئها، حتى لا تغادرَني إطلالة الفراشات الملوَّنة كل صباح، لأن لا احد غيرَها، كان يمرُّ بشرفتي للتحية، كان منزلي في الواقع حزينا، هادئا أكثر ممَّا يجب، لأنه خال من أنس او رفقة، عدا أشباح الذكريات التي تسكنه، فهو المنزل المتبقي لي من والداي رحمهما الله، عدتُ إليه بعد حصولي على الطلاق من زوجي، بعد زواجٍ دام عامين، زواجٌ كان ثمرة حبٍّ أسطوري، اعتقدتُ أن لا سنين تقوى عليه، و لا الموتُ بعظمته يُفنيه، لكن، كان للحياة كلمة اخرى.
أخرجتُ من درجي دفاتري وكل ملاحظاتي التي كتبتها ليوم رحيلي، ووضعتُها على المكتب لتكون في متناول الجميع، شعرتُ أنها بعد الآن، لن تكون أسراري، وأنها بعد اليوم، ستصبح بمنزلة الوصية المقروءة، لم أكن أملك ميراثا قيما أو أشياء ثمينة، وحتى إن وُجدت، لم يكن لدي من يرثها، لأن زواجي لم يشق كبدي على فلذة منه، اترك لها شيئا مني يذكرها بي، بل على العكس، انتهى زواجي أساسا، لأنني اكتشفت أنني لا يمكنني أن أصبح أما. بعد ما يقارب العام من زواجي، كان الجميع قد بدأ فضوله الشرقي المعتاد في مجتمعاتنا، عن سبب تأخر حملي، وتلك الزيارات المتعددة للأطباء كانت دائما تنتهي بطمأنةٍ منهم لي ولزوجي "إياس" أن لا مشكلة أبدا تعيق أن نحظى بثمرة شاهدة تمنح زواجنا بُعْدَ الأسرة، وقالوا أن التأخر ليس سوى نتيجة لأسباب نفسية متعلقة بتوتري و تفكيري الشديد في الأمر.
مرت الأيام، كان إياس فيها نعمَ الزوج و الصاحب، كان زواجنا محفوفا بالمودة و الاحترام، كانت شعلته ملتهبة كما كان أول مرة، عندما كنا طلابا في الجامعة، لم يدخر أبدا جهدا في إرضائي و إسعادي، كان يعاملني على أنني طفلته المدللة، بعد عام من زواجنا كان ما يزال يكتب لي رسائل قصيرة قبل خروجه إلى العمل، و يرسل أحيانا باقة ورود من مكان عمله، كما لو أننا مازلنا عشاق الجامعة، لم يكن يخطر ببالي أن غمامة الإنجاب تلك التي بدت لي "غيمة صيف" عابرة كانت قد بدأت تكبر و تسود أكثر، لقد أحببته بدوري، كما لم تحبَّ امرأةٌ، لأنه لم يكن الزوج فحسب بالنسبة لفتاة وحيدة عائلة، و يتيمة أبوين، كان أخي، صديقي و أبي و كل دنياي، كنتُ مستعدة للموت من أجله إن لزم الأمر، نظرةُ حزن واحدة في عينيه كانت كافية لقتلي، لتحطيمي، كانت تكفي لأكره الحياة و العالم أجمع، لكنني كنت أشعر بالعجز يسيطر علي يوما بعد آخر، عندما كنتُ أرى أنني أصبح سبب شروده عندما يرى أصدقاءه و أقاربه يداعبون أطفالهم، أصبح الموت يمزقني بسكاكينه في كل لحظة أراه ينظر مطوَّلا بعين دامعة أحيانا لصور الاطفال، في المجلات أو الإعلانات التلفزية، قد يبدو للجميع أن الرجال لا يضعفون إلى هذا الحد من أجل الأطفال، لكنني رأيت إياس منهارا، كما لم يكن من قبل، ضعيفا كسيرا كما لن يكون أبدا، كان في حاجة بعد حبه و اهتمامه بي، أن يرى مني "صبيا أو فتاة" يأخذان منه بعدي حبه و يسكنهما بجواري في قلبه.
بعد فترة شعرت بتعب شديد، كما لو أن مرضا يضعفني وينهك جسدي بشدة، لكنني لم أهتم كثيرا للأمر، واعتقدت أن السبب هو وضعي النفسي والضغوطات التي أعيشها بسبب موضوع حملي من جهة، وكذلك وضع الجفاء الذي أصبح يعنون العلاقة بيني وبين إياس مؤخرا. كنا كما لو أن بيننا جبالا وقارات و محيطات تفصلنا، و إن كنا في ذات الغرفة، كنتُ أخشى حتى أن أعاتبه، لأنني و في قرارة نفسي أعلم أن موضوع الإنجاب هو السبب، فكنتُ أكتم عتابي في صدري، و أربِّت على عواصفي لتهدأ، نعم كنتُ أغضب، من شعور النقص ذاك الذي يراك به الجميع، كنتُ أغضب لأنني بدأت أستسلم أيضا لذلك، و بدأت أشعر أن أنوثتي لا تكتمل، و بدأ ذلك الشعور يكبر و ينهش داخلي في صمت، و لم أكن أجِد غير صديقتي "أنيسة" تخفف قليلا من وطأة الحزن عندما تزورني باستمرار، و تسمعني عندما أفضي لها بكل ما أعيشه و أشعره.
لم تدم هذه الأيام طويلا حتى استيقظت يوما في المستشفى، كنتُ قد وقعتُ في المنزل وأُغمِي عليَّ، ووجدني إياس لدى عودته من العمل، غارقة في دمائي التي تفجرت من جرح في رأسي لما ارتطمت بالأرض عندما فقدت توازني ووقعت. طلب الطبيب ذلك اليوم على عجل استشارة الطبيبة المختصة بأمراض النساء والتوليد بالمستشفى، وقضينا النهار بطوله نتنقل بين كل أجنحة المشفى نجري مختلف التحاليل، التي اعتقدنا في البداية أنها ولا شك من أجل تأخر حملي لا أكثر، لكن الحقيقة كانت أكبر من ذلك، وأشد قسوة أيضا، في ذلك اليوم، أُطفْئت آخر أنوار الأمل في أن أكون أمًّا لطفلٍ من حبيبي إياس، لقد أسفر التحليل على إصابتي بسرطان في الرحم، في مراحل متقدِّمة، بسبب تأخر تشخيصه.
نسيتُ نفسي في تلك اللحظة والطبيبة تبلغني الخبر، ونظرت إلى إياس مطوَّلا، سرحتُ في ملامحه، لم أُبعِده عن مرآي و لو لثانية، لم أسمح حتى لجفوني باللقاء، كنتُ أخشى أن اغلق عيناي و افتحهما و اعرف أنني لست وسط كابوس مزعج، أمعنت بصري في الدمعة المكابرة بين أهدابه، في بؤبؤ عينيه الذي بدى كحطام المرايا المكسورة، رأيته و هو يتخبط كالمعلَّق على حبل المشنقة، و كنتُ أنا "السجَّان"، و رغم أن الأمر لم يكن الأمر بيدي، لكنني أنا من شددتُ ذلك الحبل حول عنقه. آه، كم بدى إياس مسنا، كيف كبر بتلك السرعة وشاخت تقاسيم وجهه، آه، كم كان متعبا. عدنا إلى المنزل، و لم يتحدث أيٌّ منا مع الآخر، بكيت ما شاء الله لي، و استمر الحال كذلك لأيام، و قبل ليلة من اليوم المقرر لإجراء عمليتي الجراحية لاستئصال رحمي، جلست مع إياس في غرفة مكتبه، كان قد وهب نفسه للعمل، ليتجنب لقائي، و محادثتي، و لينسى حيرته، بين حبه لي، و حبه للطفل الذي لن أمنحه إياه، بين صوته الداخلي الذي يُحدِّثُه بالبقاء وفاء أو شفقة لا أدري، و بين الفوضى الخارجية التي تحيطه و تصُمُّ حواسه و تطالبه بالزواج لإنجاب ولي عهده الذي يحمل اسمه من بعده، في تلك الليلة قررت أن أنهي غرقَه، أردت أن أهديه طوق نجاة من اللُّجج التي يغرق فيها، حتى و إن كناتُ قد حكمتُ على نفسي بالغرق إلى اللانهاية، و بكامل إرادتي.
أخبرته أنني أعود إلى بيت أهلي، وأنني لن أكون أبدا عائقا في طريق سعادته، ما دمتُ لا أستطيع أن أهديه تلك السعادة التي يريدها، منحتُهُ خيار الابتعاد فقط، منحتُه حرية الزواج من أجل ولد، وإذا به يصمت، لم يحاول منعي حتى، لم أكن أنتظر أن أغير رأيي إذا ما طلب مني البقاء، لكنني اعتقدت كأي امرأة، أن لِحبي وعشقي وللأيام التي جمعتنا خاطرٌ لديه، وعندما انشقَّ صمته، قال مباشرة، أنه سيرسل ورقة طلاقي إلى عنوان والداي إن كان ما يزال نفسه، قال مجاملا أو مواسيا بعدها، ان العملية ستكون ناجحة، و انني سأكون بخير، وأنه سيكون بجانبي. خرجتُ من المنزل الذي اعتقدت أنه جنتي، وشعرتُ أنني كنتُ يومَها كحواء التي طُرِدت مرة اخرى من الفردوس، لكن من دون آدَمِها هذه المرة، عرفتُ يومها أنني خرجت "نصف أنثى" من هناك، وسأبقى كذلك دوما.
في اليوم الموالي لم أذهب إلى موعد العملية، كانت على أيِّ حالٍ محاولةً يائسة لمنع انتشار السرطان في جسدي لا أكثر، لأن كل فحوصاتي كانت تشير إلى أن المرض سيكون دائما ومميتا، كنتُ متأكدة أنني سأموت وحيدة، وخشيت من أن يطلبني الموت إليه وتكون أضواء غرفة العلميات آخر نور أراه.
حاول إياس يومها ثنيي عن قرار الإعراض عن العملية، تعددت زياراته لي في منزل والداي، لكنني كنتُ قد عزمتُ أمري على الاستمرار في العلاج الكيميائي، لا من باب نيتي في الشفاء التام، إنما أردتُ فقط، أن أحقق أمرا أخيرا قبل رحيلي. بعد وقت ليس بالطويل، وبعد أن بلغني أن إياس رُزِق بطفل من زواجه الثاني، وجدتُ أن أيامي تمر بلا معنى، وأن وجودي أصبح حقا أمرا مرهقا للحياة لأنني لا أفعل شيئا، سوى الاستسلام أكثر للمرض، فخطرت ببالي فكرة، قررتُ فتح مركز صغير للعناية بالنساء خاصة من يعانين من ظروف صعبة تمنع خضوعهن للمعاينة، وحصولهن على العلاج، ألحقتُ به أطباء مختصين بأمراض النساء والعقم، وأخصائيي توليد، بعد أن استثمرت فيه أموالا كنتُ قد ادَّخرتُها بنية أن افتح مكتب محاسبة مستقل لإياس، لكن، وجدتْ النقود طريقا آخر لها الآن.
عامٌ يُتِمُّ تعداد أيامه اليوم، لم أكُن خلاله سوى أنثى لا تملك غير هذه الشرفة المزهرة، التي تبدِّد الفراشات والطيور وحشتها قليلا، أجلس فيها، أبثُّ الزهور شكواي، التي أذبلتْ بعضَها، أسلِّم نفسي للكتب و الأوراق، أقرأ و أكتب، و حواسي ضائعة مع أنغام الموسيقى، أو صوت المذياع الذي بقي من أيام والدي رحمه الله، لقد أصبح صوت سُعالي الشديد بسبب المرض الذي أعلن سيطرته عليَّ، و شارف أعتاب الانتصار، و صوت المذياع المتقطع المتذبذب، أصبحا جزءا من روتيني اليومي، أصبحا شيئا من الطرب بالنسبة لي، تكتمل ألحانهما بفوضى الطريق الذي تطل عليه شرفتي، التي ما عدتُ الآن أعتبرها فوضى أبدا، أصبحت كأناشيد الأطفال التي تهدهد بها الأمهات أطفالهن للنوم.
رغم أنني شعرت بتعب شديد اليوم، بالكاد استيقظت واستطعت مغادرة سريري، لكنني أرغمت نفسي على ذلك، حتى أزور مركز "اللوتس" اليوم، لأنهم يحتفلون بمُضِيِّ عامٍ على افتتاحه، طلبوا وجودي ليحتفلوا بي كما لو أنني كنتُ "إلهة الخصوبة" بالنسبة لهن، لأن أغلب من في المركز، كنَّ نساء مثلي، قصةً أرادت أن تكتمل، صورة مبعثرة أرادت أن تنتظم، و أمومة أرادت أن تتفتح زهرتها، وتحقق ذلك للكثيرات، ممَّن كنَّ يملِكْنَ احتمالا و لو ضئيلا بالإنجاب، و عملُ الطاقم الطبيعي للمركز عظَّم ذلك الاحتمال و عزَّز فرصه في أن يعانق الحقيقة. كنتُ في النهاية بمثابة "الأم الروحية" لكل الأطفال الذين أطلقوا صرختهم الأولى في "اللوتس"، لم أستطع أن أكون أمًّا، لكنني منحتُ لغيري من النساء، ولو بمساهمة بسيطة، فرصة أن يعيشوا شعور الأمومة بالنيابة عني و عن كل النساء اللائي بَقينَ.."ناقصات".
عدتُ قبل قليل من الافتتاح، نظرت إلى حوض الماء الصغير، الذي تتربع فيه زهرة اللوتس" التي أهدتني إياها أنيسة عند عودتها من جولتها الآسيوية رفقة زوجها قبل أشهر، تذكرتُ انيسة، كم أردتُ رؤيتها، لألثُم حنانها و وفاءها لي طيلة هذه السنوات لآخر مرة، لكنها كانت في رحلة رفقة زوجها، الذي جاءه عمل طارئ خارج البلد، أذكر أنها أهدتني الزهرة و قالت أنها على اسمي "سوسن"، أخبرتني أنها لدى الآسيويين تعتبر زهرة كاملة نقية، و رمزا لرحم المرأة الذي تنبعث منه الحياة، قالت هذا و عانقتني و همست في أذني، بعبارة "سأحظى بأطفال منك ينادونني يا خالة"، لا تدري كم كانت كلماتها تلك ضمادا لجراحي. أنظر الآن إلى الزهرة التي رغم أنها تعيش معي مكابرة بعيدا عن بيئتها، لكنني حاولت جاهدة لإبقائها على قيد الحياة، ها هي الآن، ماتزال بجمالها، ببياضها الناصع، عائمة على سطح ماء حوضها، تتزين بلآلئ قطرات الماء، التي ليست سوى دموعها التي تسيل لتطهرها من كل نجس قد يصيبها، لكنها الآن، بدأت تضم أوراقها، لأن الشمس تسير إلى مغربها، لأنها زهرة لا تتبختر وتتباهى بأوراقها المتفتحة إلا للشمس.
يصادف اليوم أيضا، اليوم الخامس والأخير من دورة حياتها، آه! ليس عدلا أن تكون الحياة لهذه الزهور الرائعة، مجرد خمسة أيام قصيرة، تُغلق فيها الزهرة بتلاتها بغروب شمس اليوم الأخير، لتسقط، وتنثر بذورها الخالدة، لتمنح الحياة لقرنة خضراء فتية تظهر بقلبها، تكون برعم زهرة اللوتس الآتية.
أعلم أن زهرتي ستغلق اليوم بتلاتها لآخر مرة، ستموت مثلي اليوم، عقيمة، لأنه لا يوجد من يعتني بها بعدي. فقط لا أدري الآن، هل سأشهد نهاية حياتها اليوم، أم هي من ستنثر أوراقها لاحقا حزنا على موتي.
ثقلت يداي فجأة، وسقط قلم حبري على الورقة، أملتُ رأسي وحَنيْتُه على الطاولة، لأنه بدا ثقيلا جدا، شعرتُ بموجة برد تعتريني، بدأت عند أطراف أصابعي، سقطت محبرتي وتناثر الحبر إثر سقوطها في كل مكان، وتوضَّعت قطرات منه على زهرتي، صُمَّت أذناي، أصبحت كل الأصوات من حولي تبدو بعيدة جدا، كما لو أنها تصدر من آبار عميقة، أصبحت تبلغ سمعي مختنقة، تضببت رؤيتي، وكان آخر ما رأيت وأنا أشعر بالهواء يجرح صدري في كل شهيق وزفير زهرة "اللوتس"، كانت آخر ما أغلقت عيناي على منظره.
خمسة أيام فقط، تكفي لتذبل زهرتَيْ لوتس، بقيتا نصفين متفرقين، وجد الموت طريقا ليُكمِّل نقصهما اليوم.
بقلم: نعمة نقاب
#حب_أقوى_من_الموت.
#القصة_المتحصلة_على_المرتبة_الثانية في مسابقة القصة القصيرة حروف أسيرة النسيان التي نظمتها مجلة سراج الحياة
الإهداء:
مرفوعة بكل أمانة إلى من أشعلت في دربي دموع الفرح، وأهدتني كثيرا من زنابق الحب، إلى من أحببتها فوق مستوى الحب، فكانت حياتي امتدادا لأنفاس حياتها، إلى من هي بعض عمري، إلى من تسمو فوقها الكلمة، أهدي بعضا هو كلي..
كثيرة هي حكايا الحب وكل واحدة منها تحمل تفاصيل مختلفة عن الأخرى، متناوبة ما بين لقاء وفراق، حزن وفرح، مما يضم سجل الحياة بين دفتيه من متناقضات لا تقف عند حدود حصر أو انتهاء، وحكاية حبها هي بعض من هذا وذاك.
برّح بها الشوق، وأضناها الحنين إليها، فأطلقت تنهيدة طويلة تنم عن وجع أصيل، وجع يستريح في ذاكرة القلب، سقطت على وجنتيها دمعتين حارتين انبثقتا من سويداء القلب، رفعت رأسها ونظرت إلى طفلها الصغير الذي كان يدلف الغرفة جيئة وذهابا باحثا عن لعبته الصغيرة التي كان يعشقها كثيرا، ثم ناداها ماما أين لعبتي؟ تركتها هنا؟.
دفعته عنها برفق كبير وأحست أنها مشتاقة لهذه الكلمة المقدسة، فاخذت ترددها دون وعي منها، ماما ، ماما، كان لهذه الكلمة الصغيرة مفعول السحر، لم تشأ ان تمسح تلك الدموع الطاهرة، شعرت ان أي يد تمتد إليها ستدنس طهر معانيها، مدت يدها إلى خزانة صغيرة كانت بجانب الاريكة التي كانت تحلس عليها وأخرجت منها ألبوم صور كانت تحتفظ به هناك.
أخذت تقلب الصور وإذ بدموع نورانية تتساقط سحا وتسكابا تعالج جرحا عالقا بين الضلوع، وفي كل مرة كانت تقلب صورة تقربها إلى صدرها وتلصقها بقلبها مرددة في لوعة تمزق نياط القلوب ماما ،ماما، وفجاة لمعت في رأسها فكرة، فنهضت مسرعة وهي تقول بصوت ما بين الجهر والهمس سأزورها، نعم سأذهب لزيارتها اليوم.
كان باب الغرفة مواربا ونور خافت ينبعث من زوايا الغرفة دفعت الباب برفق ونادت ماما ،ماما ،أين أنت لقد اشتقت إليك، لقد حئت ماما.
لم تجبها بكلمة واحدة كانت جالسة في ركن مظلم من الغرفة، أقبلت عليها تعانقها بلهفة وشوق، أحست أنها لم تفرح بها كعادتها، ورأتها وقد خيم الحزن علبها وتعلو وجهها مسحة من الكآبة، فسألتها مابك ماما لماذا أنت حزينة هكذا؟ ماذا ألم بك حبيبة القلب؟ رفعت إليها عينين مليئتين بالدمع ونظرت إليها نظرة مليئة بالعتاب واللون، وأجابتها بصوت منخفض وقلب منكسر ، لقد نسيتموني . لا احد يزورني، لا احد يتذكرني، سرت كقطعة أثاث قديمة مهملة، اشعر بالوحد والوحشة.
ضمتها في حنان بالغ وقبلت منها البدين والجبين، ومدت يدها المرتعشة تمسح عنها دمعة حارة ، سقطت في كفها وإذ بها تتحول إلى بقعة كبيرة من دم، بقيت تنظر إلى الدم الذي صار يسيل بين أصابعها وقد بلغت منها الدهشة كل مبلغ، وعقدت الحيرة لسانها، ولكنها استجمعت بقايا قوة مهشمة كانت رابضة بأعماقها وقالت لها بصوت متهدج ىتخنقه العبرات: أمي إذهبي عند أختي الصغرى هي وحدها بالبيت ليس لديها أولاد ستؤنس وحدتك وتسليها، ردت عليها بضعف شديد كيتيم يقف عند قارعة الطريق ينتظر يدا حنونا تمسح على شعره وتمحو الحزن الرابض بأعماقه وقالت لها دون ان تنظر إليها: أريد أطفالا، أريد أطفالا صغارا يؤنسون وحدتي، أرسلوا لي أولادا صغارا، هذا كل ما أريد، هم الذين سيملؤون عليا حياتي، هم الحب الذي لا يخطأ طريقا إلى القلب، هم النور الذي ينبجس من أعماق الصدق، هل ستفعلين؟
ماما ماما أين لعبتي؟ كان هذا صوت الحياة، صوت ابنها يناديها من جديد، فتحت أجفانها ونظرت حولها فوجدت نفسها في مكانها على الأريكة وهي تضع يدها على صورة والدتها المتوفية التي ضمتها إلى صدرها، ويدها الأخرى تحت خدها وقد امتلأت دمعا.
رجّعت واسغفرت الله وقامت توضأت وصلت ركعتين وناجت ربها ودعت لوالدتها بالرحمة والمغفرة، و تأكد لها أنه كان حلما ، من فرط شوقها لها وسألت الله ان يكون خيرا.
ولكن إحساس خفي ممزوج بنوع من المرار والخوف والترقب غزا قلبها وسيطر على كيانها، ولم تستطع منه فكاكا.
بعد أيام قليلة شعرت بدوار ووهن شديد في جسمها، وعلا سحنتها اصفرار وبداوعليه التعب والإنهاك، انتبهت على صوت الطبيبة تسألها هل لك أبناء من قبل، طفل وحيد أحابتها، وقد نال منها الخوف وبدأت دقات قلبها تتزايد بشدة وعلمت أنه لم يكن حلما بل نبوءة، وطلبا حقيقيا، لم تسع الفرحة زوجها وضحك كالأطفال الصغار، ولكنها لم تكن كذلك.
مرت الشهور بسرعة والعائلة تترقب بلهفة قدوم الزائر الجديد إلا أن إحساسها كان يأخذها هناك إلى خلف السراب، وظل أملها معلقا على أسوار الغياب.
كائن جديد ينمو بأحشاها بل قل بقلبها يتغذى من روحها، وحيرة السؤال تدنو منها، تنبش في الذاكرة وتترك استفهاما يجوس بالأعماق وأملا يطرق أبواب الوجع.
كلما مر يوم واقترب موعد الولادة كانت يصيبها هلع وخوف من الآتي، لطالما كانت أحاسيسها صادقة، هل ستصدق الرؤيا؟ نعم أكيد ستصدق، هل ستلبي نداء الحب؟
كان الجنين نشيطا جدا طيلة فترة الحمل، ولكن قبل موعد الولادة بيومين هدأ فجأة واستسلم للسكون، فزع الزوج وكل الأسرة أصابها ذعر شديد، اخذوها إلى المستشفى، تجمع حولها الأطباء، وظلوا يرددون لننقذ الأم ، لننقذ الأم، الجنين سيموت، اسقط في يد الزوج وذرف دموعا حارة على أمل ضاع، وحلم جميل عصفت به رياح الاقدار، والكل كان جزبنا، حتى السماء بكت بحرقة ومرارة لاذعة، ماعدا هي كانت فاقدة للقدرة على الإحساس، تجمدت مشاعرها وتحول حلمها إلى تمثال بارد من رخام.
فجاة دبّت الحركة وعاد الجنين إلى الحياة وعاد الأمل يراود القلوب وأطاح بحكم القدر، ولكن وحدها لم تعد الفرحة إلى قلبها وظلت تترقب موعدا مع القدر.
في الليلة نفسها جاءها المخاض، واستقبلت الحياة روحا جديدة بصرخة مستنكرة وغصة في قلب أم فاجأها اليقين على حين غرة.
كانت فتاة جميلة جدا بعينين زرقاوين وبياض فاتن وجمال ساحر أخٌاذ، كل من رآها تركت في قلبه علامة آسرة، ولا أحد كان يصدق أنها ولدت بنصف قلب، إلا والدتها أدركت ان النصف الثاني هناك حيث يرقد قلبها تحت اللحد
أشهر من المعاناة والألم وسفر يأخذهم من عذاب إلى عذاب، وأمل تخبو جذوته في القلوب يوما بعد آخر، وأرواح تحترق في أتون الوجع تطارد سرابا يحط كطير القطا في صحراء الروح القاحلة.
كانت الحلم الفجبعة، الحلم الحب يتمدد بأعماقها وتتسع هوته حتى تكاد تبتلعها، فتغرق في سديم من التفتت والضياع، ويرن الصدى بأعماقها مدويا أريد أطفالا، أريد أطفالا.
أخذت تقلب بصرها بين فلذة كبدها التي كانت تستسلم للوداع وتننطفئ الحياة بداخلها رويدا رويدا، وصراخها عاد مكتوما وأنينها يملأ أرجاء الغرفة وقد استحالت إلى بقايا بشر.
كان الأنين المتواصل يمزق صمت الليل ويتردد صداه في جوارحها وجنبات المستشفى، وكانت تعلم أنها مسألة وقت فقط، ولكن الانتظار سجان طاغية وجبار عنيد، مستبد يتسلى بآلام الفؤاد المقرح، ويعبث بأرواح ضامئة أنهكها القدر.
أي قوة هذه التي احتلت روح أم ثكلى تنتظر أن تبرّ بوعد قطعته على نفسها ذات حلم غدا واقعا، كانت ألام صغيرتها فوق احتمالها فتهرع إلى سجادتها تناجي ربها في جلال السجود،وأنفاسها زفرات وروحها تتقطع حسرات، فتقول يا رب خذها إليك، إرحم قلبها الضعيف، يارب خذها إلى أمي ألم يكن وعدا؟، ألم يكن عهد؟، يارب خذ قلبي إلى قلبي.
كانت امسية باردة، موحشة تستنزف دموع القلب كما حملت لها الابتهاج يوما هاهي تحمل لها شرائط الحزن تغزل منها كفنا للحبيبة، وقد بدأت الروح الثائرة تخمد في الجسد الخائر المسجى على سرير الموت الموصول بأسلاك الرحمة، هاهي الأنفاس تعلو وتهبط وتنسل رويدا رويدا، انتفضت غريزة الأم بداخلها هرعت إلى الطبيب وهي تنزف ألما تتوسله بحرقة موجع: أعد الحياة إلى ابنتي، أنقذ قطعة من روحي، نظر إليها الطبيب الذي كان يغالب بقايا النوم العالقة بأهدابه، وقال لها بهدوء شديد: سيدتي ابنتك راحلة، لن تعود. لحظات فقط وسينتهي كل شيء، لو سمحت أخرجي وانتظري حتى اناديك، لن تتحملي، ردت بهدوء أذهل الطبيب والممرضات بعد ان ثابت إلى رشدها، أرجوك دكتور لا تحرمني من أن اعيش مع ابنتي آخر أنفاسها لأزرعها بصدري إلى الأبد. لحظات كانت احد من النصال المغروزة في القلب كانت تميك ببديها الصغيرتين ومرددة لله ما أعطى ولله ما أخذ، وارتفع صوت المؤذن الله أكبر، الله أكبر، .....الصلاة خير من النوم، ضمت ابنتها إلى قلبها لآخر مرة، شمت رائحتها لتحفظها بأعماقها إلى الأبد، ثم قامت توضأت وصلت الفجر ورفعت يديها تشكر الله أن رحم ابنتها وجعلها تبر بوعدها لأمها، ورحلت الصغيرة إلى جوار ربها لتجد حضنا آخر بانتظارها، ضم قبلها قلب أمها.
وقفت عند قبر أمها وهي تحمل جثة ابنتها ، بعد أن صممت على أن ترافقها للمقبرة، وقالت لها والجميع ينظر في ذهول كبير، طلبت اطفالا، هاهي يا أمي قطعة من روحي ستأنس وحدتك وتهوٌن عليك غربتك، فهل انت راضية عني الآن؟.
بقلم: زراد جنات