عادات عجوز عشرينية بقلم أمينة الخلوفي





عادات عجوز عشرينية
أنصرف لموعد ألاقي فيه صديقي و أستعد أتم استعداد ، أحجز مكانا لشخصين و أهيئ الفضاء لتناول أطراف حديثنا الشيق الذي لا يتخطى عادة وجودنا نحن الإثنين ، ثم أبدأ في مخاطبة نفسي و الكلمات القاسية تنهمر غزيرة واحدة تلو أخرى كمطر فصل الخريف بعد أن أتذكر أن صديقي الذي أنتظر قدومه لم يعد له وجود ، لقد خانتني الذاكرة كعادتها و نسيت أني عجوز و لم أعد ابنة العشرين ، صديقي الذي أخذه مني العناد و الكبرياء لم يعد يجمعني به غير ذكريات لا أمل في رجوعها ، ودعته حين ركب سفينة و لوح لي بكفه و قال الوداع ، لا زلت ألمس دموعي التي روت ميناء قلبي العطشان لفراقه ، لم يكن صديقا كان حبيبا ، كان ميناء سلام ألج إليه ساعات الحرب و لحظة الغضب ، يسند روحه تآزر روحي و يروي قصصا أنسى فيها عالمي ، ذهب بعيدا حيث يستعصي عني لقياه ، و دعته و عانقت الألم ... أتساءل آلاف المرات لكن لاجواب ، ذهب حبيب روحي و أخذ علبة أسراره ليتركني تائهة لا معنى لأشيائي .. كان كل شيئ على ما يرام ، بسمته الشفافة ، نظراته المتأملة و لمسات يديه كبلسم يضمد الجراح ، لازلت أحتفظ بصورك في أركان من ذاكرتي و أنشد في غيبتك ألحانا ، ما زلت أغزل صوف الحب حين يتساقط المطر و يدق فصل الشتاء البارد أبوابي و أنا وحيدة في غيابك ، وهبت كل سنين عمري لحبيب تركني خلفه دون أن يستدير، تراني مازلت أحن لمكان كنا نتشارك فيه أنا و أنت حكايات ، لا أمل في رجوعي إلى الوراء ! أعود بعدها إلى حال سبيلي مودعة تلك التي كنت أخاطبها بأشد الخطاب قسوة ، أختلي بنفسي حيث رفرف الليل بجناحيه و السواد يكسوهما ، أفتح باب غرفة نال منها الشيب هي الأخرى فاستسلمت حتى داسها قطار الأيام ، ما عادت تأبى الركض للنجاة بروحها و لا هي تدري فن القتال ، فراغ بها خيم و هدوء يحلق كطائر ينشد في السماء ،تطربني رنات صوته فأبشر بفصل الربيع لكن ، ما إن أتمعن كلماته حتى أجدها رصاصات تصوب نحو قلبي لتخبرني أنه الخريف ، خريف عمر عجوز ما عادت ابنة العشرين ، يقول و صوته أحزان تبكيني ، ما عاد أمل في رجوعه فحاولي النسيان ! تتكلم دموعي الثائرة فتنسكب على الجفون ، أي التزام هذا و في أي معاهدة تحالفت أنت و ذاكرتي على الخلد ! عنيدة تلك الذاكرة ، تخونني فأتوهم لقياك ، توفي بتفاصيل جزئية تحيي ذكراك !" 
بقلم : أمينة الخلوفي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق