قراءة جمالية في نص هايكو للشاعر #إسلام_دالاس: معجم معآني، عُيونك العسلية تشرح- كُل مفردآت الجمآل.. تأملت مرغما في عديد النصوص التي خطتها أنامل هذا المبدع، وبغض النظر عن الماهية الحقيقة للنصوص التي يكتبها والاختلافات الورادة في أبعاد الهايكو وكينونته، فإنني ملت إلى اعتناق فكرة أن الهايكو ليس بيد أحد تقييده أو وضع حدود له تمنع الإبداع من أن يتجدد في معالمه، وهذا ما سار عليه عديد من أساتذة الهايكو، إذ إلزام من يتقن هذا الفن بقواعد خاصة محدودة بعيدة عن أصالته، يحول دون تحقق المراد منه ويمنع من التجديد فيه بما يناسب أشكال الفنون ويتلائم مع خلفيات اللغات والثقافات التي يمارس فيها، وبالتالي فمنهج الهايكو بشكل عام قد تحقق في أسلوب الهايكست إسلام دالاس واتضحت معالمه وجسدت أركانه وهيئت له الأرضية الأنسب ليكون للقارئ أداة للتصوير خيالية في التقاطها وانسيابية في حركتها وجمالية في تصويرها، وهذا ما تجلى في حروف هذا المبدع أيما تجلي، وبين يدي الآن نص من أجمل وأرقى النصوص التي جادت بها قريحته وتميز بها مكنون نفسه وعمق رؤيته للأشياء حوله، إذ يقول: معجم معآني، عُيونك العسلية تشرح- كُل مفردآت الجمآل.. يضعنا الشاعر أمام مقامين يمثلان أشياء مادية تستوقف المتامل فيها، الأول وهو المعجم والثاني هو العيون، فوضع أداة تصويره الوجدانية ليتأمل في عيون إحداهن، وإنما قلت إحداهن لأن المقام يحمل بعد التغزل، وبالتالي فالمتأمل فيه هو فتاة، ليصور بعدها مشهدا غير ملموس في أول شطر، فيقف ليرى معجم معاني، متجسدا في عيون كان يحدق بها، هذا المعجم لم يختر له لغة ولا عنوانا، هو معجم دون عنوان، وهذا ليشد انتباه القارئ والمستمع إلى أنه بمجرد رؤيتها تبادر إلى ذهنه مشهد المعجم، ليترك قرينة الربط بين المشهد الخيالي والمشهد الحقيقي في آخر نصه، وهذا هو السبيل لإثارة الدهشة في ذهن القارئ وجعله يتسائل: ما علاقة المعجم بتلك العيون التي رآها؟ وبالعودة للمعجم فإنه وكما ورد في أحد مقالات المدرسة العربية، أن المعاجم سميت كذلك لأن هذه المعاجم لا ترتب فيها الألفاظ أي ترتيب، بل يدور فيها الحديث حول موضوعات عامة حيث تجمع الألفاظ التي تدور حول معنى واحد أو موضوع واحد ومنها "المخصص" لابن سيده وكتاب "الألفاظ" لابن السكين ومعجم "فقه اللغة وسر العربية" للثعاليبي، وطريقة استخدامه تكون بتحديد الموضوع ثم الرجوع إلى الفهرس ثم النظر في صفحات الباب، وإنما يفهم هذا حينما نعلم أن المعاجم العربية أنواع وكما يقول الأستاذ مراد الشوابكة فإن المعاجم تقسم إلى عدة أنواع، هي: معاجم المعاني ( وهي المرادة بكلامي): هي المعاجم التي تحتوي على مواد لغوية بغض النظر عن ترتيب ألفاظها، معاجم الألفاظ: هي المعاجم التي تشرح وتوضح المعاني والألفاظ والدلالات الخاصّة بالألفاظ اللغوية، وتكون مرتبة أبجديّا حسب الأصل الأول أو الأخير للكلمة، أو بحسب الموضوعات، أو حسب المخارج الصوتية العربية، معاجم المُعرَب والدخيل: وهي المعاجم التي تحتوي على الألفاظ والمفردات التي أدخلت إلى اللّغة العربية من الأقوام والشعوب الأجنبية، مثل الروم والفرس، وتم تعريبها، معاجم الأمثال: وهي المعاجم التي تحتوي على الأمثال العربية وشرحها وتوضيح معانيها ومقاصدها، معاجم المفردات: وهي المعاجم التي تحتوي على المعاني الخاصة بمفردات القرآن الكريم والسنة النبوية، معاجم المُصطلحات العلميّة والفنية: هي المعاجم التي تحتوي على شرح وتوضيح المصطلحات الطبية والعلمية والفنية. والشاعر قد اختار معجم المعاني، من قبيل الإلهام الذي حل بقلبه فجعله يتخيل مشهدا يعجز عن رؤية غيره، فاختياره لمعجم المعاني لم يكن من قبيل الصدفة في مقابل أنه أختير إلهاما من قلبه وعقله في تصوره للمشهد، فهذا المعجم أبلغ ما يعبر به عن الصورة التي تشكلت في ذهنه وأراد نقلها والبحث عن قرينة لهذا الشبه الذي انتابه وهو يتأمل في عيون تلك الفتاة. ثم أتى للحديث وتفسير مراده بالشطر الأول، ليبين الرابط بين ما قدمه وهو معجم المعاني وتلك العيون التي رآها، وذلك حين قال: عيونك العسلية تشرح- وبتزئة الجملة التي عبر بها نجد؛ أنه أدخل حرف الكاف ليشير إلى غائب لابد أن نتسائل من يكون، فلكون القارئ توقف في مشهد معجم المعانيو فأكيد لما أخاطبه بكلمة عيونك.. يتبادر إلى ذهنه حرف الكاف وعلى من يعود، وهو متوقف أمام صورتين، صورة معجم المعاني وصورة العيون، ليجد نفسه أمام مشهد يستفزه ليسأل عن تلك العيون، ثم يتبع الصورة بوصف خيالي لتلك العيون، فالمعلوم أن للعيون عدة أوصاف، وعادة ما توصف العيون بألوانها، والخيالية بوصفها بشيء يتبع للونها ولو كان جزء منه وهو بريقها الذي يحدث في القلب نزغة بمجرد التأمل فيهما، وكما تقول الأستاذة عبير محمد أن العيون هي أول ما يجذب المرء نحوها في الشخص الذي أمامه، فالعيون تعكس الكثير من شخصية صاحبها، و لكل لون سحره الخاص به، وبغرض الغوص أكثر في ثنايا وصف الشاعر لتلك العيون بانها عسلية، ارتأيت تلخيص بحث يتناول هذا المضمون، ومحاولة إثراء الموضوع أكثر كي نعطي لهذا النص حقه وميتحقه في الدراسة والبحث والتنقيب عن أبعاده الخمسة التي استنطقها الشاعر في نصه، فنقول أنه قد أثبتت الدراسات أن تطور لون العيون يتحكم به ثمان جينات وراثية، فيمكن إنجاب طفل عيونه خضراء من أبوين عيونهما بنية، كما أن لون العيون يثبت بعد إتمام الطفل شهره الثالث و في بعض الأطفال يتحدد لون أعينهم بعد شهرهم السادس؛ يرجع ذلك إلى أن قزحية العين تكون بدون أصباغ، و العيون العسلية هي مزيج بين اللون البني والأخضر، و هو لون أقل شيوعًا في العيون، و قد تبدو بنية أو خضراء حسب الضوء المسلط عليها، ويقال أن عوامل تكون العيون العسلية يرجع إلى عدة مسببات: فيتكون اللون البني المصبوغ داخل العين في المكان المحيط بالبؤرة، و تعتبر قزحية العين هي المسؤولة عن إعطائها الألوان، ويسمى الصباغ المسؤول عن لون العين باسم الميلانين، كما يؤثر على لون البشرة أيضًا، والسبب في أن العديد من الأطفال البيض يولدون مع عيون زرقاء؛ هو أنهم عندما يولدون لا يمتلكون كمية الميلانين الكاملة الموجودة في قزحية العين، حيث أنه في السنوات القليلة الأولى بعد الولادة يتطور الميلانين أكثر في القزحية مكونًا العيون الزرقاء التي قد تتحول إلى اللون الأخضر أو العسلي أو البني، و الأطفال الذين تتحول أعينهم من اللون الأزرق إلى اللون البني، يعني أن كميات كبيرة من الميلانين قد تطورت، أولئك الذين ينتهي بهم المطاف مع عيون خضراء أو عيون عسلية، ويممن القول أن هناك حقائق تتعلق بالعيون العسلية منها أن اللون العسلي هو في الواقع ليس اللون الحقيقي في حد ذاته، بل هو مزيج من ألوان مختلفة فهو يعتبر لون العين الذي يعرض مزيج من العيون الخضراء والبنية والزرقاء، وأيضا بها حلقات بنية، حيث تشير الأبحاث إلى أن 74٪ من العيون العسلية يميزها وجود حلقة بنية حول بؤرة العين، وكل لون من العيون العسلية فريد من نوعه، فزوج واحد من العيون العسلية لا يطابق أبدًا زوج آخر، فهناك بعض الناس يمتلكون لونًا أخف وزنًا من اللون الأخضر في حين أن الآخرين لديهم لونًا أكثر قتامة من البني، بالإضافة أن كثافة اللون في العيون العسلية كانت اعتمادًا على مزاج و عاطفة الشخص صاحب العيون العسلية الذي قد يكون سعيدًا أو حزينًا أو متحمس، فكثافة لون العين قد تتغير مؤقتًا كلما تأتي هذه المشاعر، قد يتحول لون العين بشكل مؤقت إلى العسلي أو إلى البني أو جعل ظل العين يظهر أكثر إشراقًا أو أغمق. فهنا الشاعر قد غاص بالقارئ إلى تجاذبات من الجمالية في الصورة البسيطة التي صنعها، قبل أن يضعنا أمام المشهد بأدق تفاصيله وذلك بعدما أضاف كلمة: تشرح ! وهنا نقلنا بسرعة لا متناهية، لنقف عند سؤال: ماذا تشرح وهل اكتملت الجملة تركيبيا لنتوقف عند هذه الكلمة، أمام أن الأمر فيه اقتطاع ضروري ليصنع الصورة التي تمكنه من خلق الدهشة في نفس القارئ؟ فنجد قد خلق وقتا مستطقعا ووضع مطة اعتراضية، إحالة منه بأن الكلام سينكشف كواليس تلك الصورة ويبرز الرابط الذي جعله يصور لنا أمرين، هما معجم المعاني والعيون العسلية، وذلك ليقول في الأخير: كل مفردات الجمال.. فهنا مربط الفرس والشاهد الأبلغ والمعنى الأعمق، فيتوقف القلب ليبتهل وتتقد داخل النفس دهشة بعدية، وتعتلي العقل صدمة مناطية يعجز عن تعليلها أو منطقتها ليتقبلها دون نفس آخر، يسترجع فيه نبضه ليتأمل في الصورة التي التقطتها نفسه بفضل الشاعر الذي رتب كل شيء لهذا السيناريو المحكم والقصة المشوقة والحبكة المستفزة، فنجد الموقف قد أبان عن حقيقته، وكشف ستار دواليبها وأزيحت عباءة الإختفاء عن كواليسه التي حيك فيها بين أعين تلك الفتاة ومعجم حمل مدلولات الجمال الذي حملته في عينيها. فعيونها بعسليتها تحولت إلى معجم للمعاني يستوقف كل كنه وكينونة للجمال، ليقول قد بلغت منتهاه، لتتحول إلى معجم ناطق يحمل مدلول كل معاني الجمال الذي رآه الشاعر وهو يتأمل فيها، فمفردات الجمال التي حوتها تلك العيون قد حولتها إلى معجم كامل قرنت به، لتكون غلافا له وصورة تذكارية لكل من يراها فيجد نفسه يتصفح ورقات من كتاب يحمل في جعبته مفردات المعاني التي تعبر عن الجمال بمنتهاه. فحري بالشاعر أن يفخر بقدرته على التقاط مشهد بهذا العمق، وتصويره بدقة وبلاغة متناهية في الأثر ومعللة بمنطق يخلق الدهشة في ذهن كل متأمل فيه ومتصفح لمعانيه بشتى أبعادها. #سراج_عباسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق